منذ مطلع القرن الحالى: إعتبر العلماء و الأطباء أن كابوس شلل الأطفال البغيص قاب قوسين أو ادنى من نهايته، بعد جهود طويلة مضيئة بذلت لمكافحة، لكن ها هى الأنباء والتقارير تتواتر: محذرة من عودة الكابوس مجدداًن وهو مايتصدم لدفعة.
وفقاً لبيانات “منظمة الصحة العالمية”: فقد بلغ عدد الإصابات بشلل الأطفال 350000 إصابة سنة 1988 توزعت على 125 دولة، وفى سنة 2013: تم الإبلاغ عن 406 حالة فقط، والفرق الهائل واضح بجلاء شديد .. ويعكس ما تم إحرازه من نجاح بالغ.
من تلك الحالات التى أبلغ عنها السنة الماضية: هناك 760 حالة وقعت فى مناطق من أفغانستان ونيجيريا وباكستان، وعلى الجميع أن يتذكر أنه إذا كان الأمر يتعلق بفيروس قاتل (فيروس شلل الأطفال بقتل ضحاياه من الأطفال فى أحيان كثيرة .. ولا يكتفى بإعاقتهم) فالتعامل معه يكون تعاملاً مع “خصم” غامض إلى أبعد حد: فنحن لا نعلم على وجه اليقين كيف يظهر ولا كيف ينتقل، ولا حتى كيف يختفى؟ إوها هما فيروس كورونا وفيروس إيبولا خير شاهد على هذا.
تفيد “المبادرة العالمية لاجتثاث شلل الأطفال ” بأن الوضع فى باكستان تحديداً هو الأكثر مدعاة للقلق: فالإصابات فى هذا البلد قليلة، لكنها متصاعدة: فقد كانت 18 حالة فى النصف الاول من سنة 2013 تصاعدت الى حالة فى الفترة المقابلة من السنة الحالية، وعلى محدودية الرقميين: فواضح جداً معدل التصاعد.
مما يحدث مثلاً من مهازل حقيقية: أن الطائرات بدون طيار الأمريكية شنت منتصف سنة 2012 غارات على بعض معاقل طالبان فى باكستان، فكان الرد عليها: منع فرق طالبان ومن هم على شاكلتها فى آسيا و أفريقيا يروجون باستمرار بين البسطاء لأن “الغرب” إنما يسعى لاحتثاث شلل الأطفال لفرض فى نفس يعقوب او أن الجهود التى يبذلها “الغربيون” لتحقيق هذا الهدف تصب – فى النهاية – لصالحهم.
إن التعامل مع بؤرة فيروسية فى العالم كله مهما كانت محدودة يشبه التعامل مع بؤرة مشتعلة وسط كومة كبيرة من الحطب: إما أن يقضى عليها أو تنتشر فى الكومة كلها وتخرج النار على السيطرة.
فى يونيو الماضى واستجابة لما طالبت به “منظمة الصحة العالمية”: بدأ تطبيق إجراءات صحية إحترازية على كل المسافرين من كافة أنحاء العالم من باكستان واليها، وتبعاً للموقع الرقمى لمجلة “نيتشر” العلمية العالمية: فإن باكستان والكاميرون وسوريا هى مواطن الخطر فى إمكانية نشر المرض.
ما يعرف “بمناطق العشائر” الباكستانية الأشد خطورة: فهى مسرح لعمليات مسلحة لاتنتهى، وهناك نظرة عدائية عجيبة فيها كل جهود التحصين ضد المرض، وتبعاً للمجلة الطبية العالمية “لانست”: فإن ما تشهده سوريا من أحداث جعلها مصدراً نهماً أخر لانتشاره إن حدث.
على النيل فى ضاحية “إمبابة” القاهرية: يقوم معهد طبى كبير عريق، كان اسمه فى السابق “معهد بحوث شلل الأطفال” ومازال سكان الضاحية يتمسكون بهذا الاسم: الذى غيرته وزارة الصحة التى يتبعها المعهد فجعلة “معهد مشاكل الجهاز الحركى”، كدليل واضح على تلاشى مشكلة شلل الاطفال من مصر .. وبالتالى فلاحاجة لوجود معهد، وقد تحول الى الاهتمام بمشاكل الجهاز الحركى عموماً .. التى يحظى فيها بخبرات طويلة ، ونرجو أن تتحول كل المؤسسات الشبية فى العالم إلى مجالات أخرى .. بعد أن يتحول شلل الأطفال إلى ذكريات الماضى غير السعيدة.
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل