في السابق : ارتفعت أسعار البترول ارتفاعًا هائلًا ، وفي الوقت نفسه : تأكدت الاحتياطات البترولية والغازية المهولة الكامنة في منطقة “القطب الشمالي” ، فتسابقت دول المنطقة في مشروعات التنقيب عن هذه الثروة الفريدة في ضخامتها ، وانتابت المنظمات المدافعة عن البيئة الطبيعية في العالم مخاوف عميقة على مستقبل تلك المنطقة المحتفظة ببكارتها البيئية مما ستتعرض له من مخاطر من جراء عمليات التنقيب ، ومع أن الهبوط السريع الحالي لأسعار البترول لم تمض عليه سوى فترة قصيرة جدًا : فقد بدأ الانصراف عن مشروعات استغلال موارد الطاقة في “القطب الشمالي” ، لأن أسعار هذه الموارد كانت قادرة على المنافسة مع ارتفاع أسعار البترول : أما مع تدني الأسعار فهناك مراجعة حتمية للموقف كله ، فهل ينقذ تدني أسعار البترول بيئة “القطب الشمالي” ؟
تؤكد وكالة الأنباء “بلومبرج نيوز” أن شركة البترول “ستايت أويل” المملوكة للدولة النماركية قد أوقفت تقريبًا أعمالها التنقيبية في منطقة “جريندلاند” القطبية الشمالية ، وكانت الشركة قد حصلت على حق التنقيب في 3 مواقع في المنطقة في يناير 2012 ، وفي تلك الآونة : كان سعر برميل البترول قد تجاوز 110 دولار ، وهو سعر يجعل البترول الشمالي في موقف تنافسي معقول : أما بعد الانهيار الحالي في الأسعار فقد أصبح مستقبل هذا البترول في مهب الريح ، في الآونة الأخيرة على الأقل ، وبالتالي فإن شبح الأخطار البيئية يبتعد عن “القطب الشمالي” .. ولو نسبيًا وإلى حين .
يرى “معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة” البريطاني أن البترول الشمالي يمكن أن يكون صامدًا أمام المنافسة إن لم ينخفض سعر برميل البترول دون 50 دولارًا ، وأن ذلك البترول سيظل متداولًا فيما بقي من العقد الحالي على الأقل .
يدور استغلال بترول “القطب الشمالي” بين روسيا والنرويج و”جرينلاند” والولايات المتحدة وكندا ، وتؤكد الدراسات الجيولوجية ان تلك المنطقة تنطوي على أكثر من 20 في المئة من البترول والغاز الطبيعي غير المكتشف في العالم ، ويتضمن هذا وجود 134 بليون برميل من البترول و 1669 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وفقًا لتقديرات “المساحة الجيولوجية الأمريكية” ، ومن المستحيل غض النظر عن هذه التقديرات في أي تصور لمستقبل الطاقة في العالم .
ووفقًا للدليل “ستاتيستيكال ريفيو أوف وورلد إنرجي” فإن ذلك الاحتياط من البترول يفوق احتياط البترول العراقي المؤكد في يناير 2013 ، ووفقًا لنفس الدليل الذي تصدره “بريتيش بتروليم” : فإن احتياط الغاز المذكور يفوق الاحتياط الروسي بنسبة 50 في المئة .
تفيد “بلومبرج نيوز” بأنه قد تم إنفاق 6 بليون دولار على الاستكشاف البترولي في ولاية “ألاسكا” الأمريكية القطبية ، والمعروف في الأوساط البيئية العالمية أن هناط معارضة شديدة من دعاة المحافظة على البيئة للأنشطة البترولية في الولاية ، وقد أرجأت شركة الغاز الروسية العملاقة “جاسبروم” نشاطها في حقل “شتوكامان” الغازي الواقع في “بحر بارنت” الشمالي .
وفي بدايات السنة الحالية : نشرت صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية أن تكلفة التنقيب في “جرينلاند” في تصاعد دائم ، مما دفع أكثر من شركة تعمل هناك إلى تجميد عملها .
منظمة “جرينبيس” العالمية المدافعة عن البيئة تعارض إلى أقصى حد نشاط استخراج البترول والغاز في “القطب الشمالي” : مؤكدة أن بقعة بترولية واحدة تحدث نتيجة حادث في المياه الشمالية ستكون كارثة حقيقية ، وهي تؤكد أيضًا أن ذلك النشاط خطر داهم على حيوانات المنطقة : بما فيها الدببة القطبية والحيتان والطيور البحرية ، وهي تؤكد كذلك أن الخطر يمتد إلى آثار سلبية فيما يتعلق بالتغيرات المناخية .
“القطب الشمالي” وبيئته مكون أساسي جدًا لأوضاع البيئة في العالم : ومايحدث فيه ينعكس على عالمنا كله ، ولايقتصر عليه وعلى محيطه المحدود ، وهو يشتبك ويتداخل بقوة – في ظل الاحتياط الهائل من البترول والغاز الكامن فيه – مع حقائق الطاقة والبيئة ، وبالتالي الاقتصاد والسياسة والاستراتيجيا ، التي تحكم العالم .
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل