في مدينة “لوزان” السويسرية يوجد “المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا” الذي ربما يكون أهم جامعة تكنولوجية في أوروبا كلها، والذي يسعى علماؤه الأن لتحقيق أجرأ منجزات التكنولوجيا الإفتراضية وأهمها انهم يسعون لإيجاد “المخ الإفتراضي”.
هؤلاء العلماء لا يسعون لتحقيق ذلك الهدف الفريد لمجرد الطموح العلمي المحض، بل من أجل تقدم ثوري في تشخيص أمراض مستعصية تصيب المخ والأعصاب بل وعلاجها، مثل الفصام والتوحيد، والإكتئاب، والألزايمر، وفي الوقت نفسه، لتحقيق أهداف موازية في التكنولوجيا الكومبيوترية والتكنولوجيا الروبوتية.
هذا “المخ الإفتراضي” هل يمكن أن يصاب بالإكتئاب مثلًا؟!
يهدف إيجاد ذلك “المخ”إلى إتاحة إمكان إجراء أبحاث وتجارب على مثل هذة المشكلة.
يرى العلماء العاملون في “لوزان” أن سعيهم سيوفر للباحثين في طب المخ والأعصاب أداة بحثية جديدة تمامًا، تناظر ما توفرة التليسكوبات عالية التطور لعلماء الفلك، وكما غيرت هذة التليسكوبات من نظرة الفلكيين إلى الكون على نحو إنقلابي، فإن العلماء السويسريون يطمحون في أن يغير “المخ الإفتراضي” نظرتنا الى المخ والأعصاب.
اللبنات الأولى لهذا التطور بدأ وضعها منذ نحو 20 عامًا في “معهد العقل والمخ” أحد المعاهد الفرعية المتقدمة ضمن “معهد لوزان”، حيث تم إطلاق مشروع اسمه الرمزي” المخ الأزرق”،ارتكز على جهاز “سوبر كومبيوتر” ذي قدرات فائقة.
لقد تطلب وضع البرمجيات الكومبيوترية اللازمة وحدها ثلاثة أعوام، وتجميع كم هائل من المعلومات البيولوجية المتعلقة بعمل الأعصاب، وفي سنة 2008، تم التوصل الى ما يمكن اعتبارة نواة “للمخ الإفتراضي”، ومنذ ذلك الحين، يتم تحديث هذة النواة بتغذيتها بمعلومات يجري تجميعها من مراكز علمية من شتى انحاء العالم، بحيث تحدث مرة كل اسبوع.
واحد من التحديات الكبرى، والتي تبدو متناقضة منطقية، هي كيف يمكن إيجاد “المخ الإفتراضي” إذا كان العلم لم يتوصل بعد الى فهم كامل لعمل “المخ الطبيعي”؟!
الواقع أنه ليس هناك مخرج لهذة المتناقضة الصعبة سوى الاكتفاء بما يتيسر من فهم لعمل المخ، ثم التحديث المستمر لهذا الفهم والبناء علية، مع الأخذ في الإعتبار أن “الفهم الكامل” لم يتحقق أبدًا، فيكون الممكن الوحيد استمرار تطور “المخ الإفتراضي” بالتوازي مع التقدم في فهم عمل “المخ الطبيعي”.
معروف في العلوم البيولوجية والطبية أن كثيرا من الابحاث تبدأ بتجارب على الحيوانات قبل ان تنتقل بتجارب على البشر، فلماذا لا يكون الأمر شبيهًا بهذا فيما يتعلق بإيجاد “المخ الإفتراضي”؟ فتبدأ التجارب على “مخ إفتراضي” لحيوان.. وفي مرحلة لاحقة لإنسان.
كذلك سيكون متاحًا في المستقبل إيجاد أمخاخ إفتراضية مصابة بأمراض مختلفة مما يصيب المخ الطبيعي، في إطار الأبحاث الرامية لعلاج هذة الأمراض.
يذكر أن هناك جهودًا تبذل في غير “معهد لوزان” تمضي في الإتجاة نفسة”
مجدي غنيم: المحرر العلمي “لقناة النيل”