جذب الأسماع بدقاته على طبلته ، وأسر القلوب بكلماته وأدعيته ، وفاز في آخر الشهر الكريم بأجره وجائزته .
بدأت مهمته تطوعية ، وبمرور الأيام والأعوام تحولت إلى حرفة موسمية .
كان الصحابي الجليل بلال بن رباح رضى الله عنه “مؤذن الرسول” أول المجتهدين في هذا الميدان .
فهو أول من أيقظ المسلمين للسحور ومن بعده صلاة الفجر .
كان يطوف على أحياء المدينة المنورة ودروبها ينادي على المهاجرين والأنصار بصوته العذب الندي .
عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : “إن بلالاً ينادي فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم” .
وكان عبدالله بن أم مكتوم يؤذن لصلاة الفجر في شهر رمضان ، بعد نصف ساعة تقريبًا من نداء بلال رضى الله عنهما .
وكان عنبسة بن إسحاق الضبى 238م – 851م والي مصر في العصر العباسي يجوب شوارع الفسطاط على قدميه ، ينادي على الناس طوال شهر رمضان ويردد قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : “تسحروا فإن في السحور بركة” .
وهو آخر أمير يصلي بالناس في المسجد الجامع “عمرو بن العاص” وكان أحد أبناء مكة المكرمة يصعد إلى أعلى المسجد ، يحمل مصباحين ، وينادي على الناس ، ومن لم يسمع أو يتأكد يرى ضوء المصباحين ، يعرف موعد السحور قد حان .
بدأت الأدعية والتواشيح في الظهور على ألسنة المسحراتية خلال العصر العباسي .
وفي العصر المملوكي اهتم السلطان بيبرس بالمسحراتية .
وكان ابن نقظة أشهر المسحراتية في عصر الملك الناصر يوقظه ويوقظ الناس .
أطلق الناس لقب المسحراتي على من يتولى هذه المهمة لأنه ينادي عليهم للسحور ، أو لأنه يمارس عمله في وقت السحر ، وهو الجزء الأخير من الليل ، ويطلقون عليه في بعض الدول العربية اسم “الطبال” .
وطبلة المسحراتي لها شكل معروف ، صغيرة ومستديرة مغلقة تقريبًا من أسفل ، “البازة” يضرب عليها بشريط من الجلد .
كان الإيقاع بطيئاً في أول الأمر ، وازدادت سرعته مع زيادة الأعداد وامتداد المسافات .
قسم المسحراتية أماكن عملهم إلى أقسام ، يقوم كل منهم بمهمته في شوارعها وحواريها .
تخصصت بعض الأسر في هذه الحرفة ، وامتدت إلى أبنائها عبر الأجيال ، ودخلتها النساء في المدن الكبرى والقرى الصغيرة أحياناً ، للسعي على رزق أطفال صغار ، مات والدهم ، أو أقعده المرض .
جار بعض المسحراتية على مناطق زملائهم ، فاعترضوا عليه ، ومن هنا جاء المثل الذي يقول “بيطبل في المطبل” .
وفي العصر الحديث ركب بعض المسحراتية الدراجات ، وبعضهم ينادي على أسماء الكبار والصغار ، والأولاد والبنات في المنازل التي يمرون بها .
والفنان الراحل الشيخ سيد مكاوي هو أشهر مسحراتي في العصر الحديث على امتداد الساحة العربية ، قدم من خلال الإذاعة المصرية مقطوعات زجلية جميلة كتبها الشاعر الكبير فؤاد حداد ، أداها بصوت شجي جميل ، وحفظها الناس ورددوها على مر السنين .
وفي صباح العيد يمر المسحراتية ، يجمعون ماتجود به أيدى الصائمين ، من مال وتمر وكعك وبسكويت .
المصدر : كتاب ( شهر رمضان في الجاهلية والإسلام ) للدكتور أحمد المنزلاوي