كانت تلاوته وآذانه للصلاة تذرف الدمع من أعين مستمعيه، فقراءة البهتيمى يتكامل فيها علم القراءة وحلاوة الصوت ورخامته والرقة فى نقل معانى القرآن الكريم إلى الوجدان، فكان صاحب الحنجره الفولاذيه .
وعندما تستمع إليه كأنه «كوكتيل» من عباقرة التلاوة، فقد تأثر بكل من الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ مصطفى إسماعيل، فصوته مزيج من الأصوات العظيمة مجتمعة.
ولد الشيخ محمد زكى يوسف الشهير بكامل البهتيمى فى قرية بهتيم التابعة لمركز شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية عام 1922، من القراء المصريين البارزين.
ألحقه والده بكتاب القرية وعمره ست سنوات، فحفظ القرآن قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، وكان يذهب لمسجد القرية بعزبة إبراهيم بك، لقراءة القرآن قبل صلاة العصر، وكذلك قارئ للسورة يوم الجمعة بمسجد القرية وذاع صيته بين ربوع القرى المجاورة، ثم صار يؤذن فى المسجد، وظل كذلك حتى أوائل الخمسينيات التي شهدت شهرة واسعة، تتلمذ البهتيمى على يد الشيخ محمد الصيفى الذى تبناه واصطحبه فى حفلاته وأخذ بيده من قريته التى نشأ فيها واستضافه فى بيته بحى العباسية بالقاهرة، ومهد له الشيخ الصيفى ليلقتى بجمهور الناس من القاهرة، وبعدها بدأ الناس يعرفونه وذاع صيته فى أحياء وضواحى القاهرة، وأصبح قارئاً معروفاً له مدرسة وأسلوب فى الأداء، وأفاض الله عليه من الرزق الوفير فاشترى قطعة أرض بشارع نجيب بحى العباسية وأقام عليها عمارة كبيرة ثم استأذن من الشيخ الصيفى لكى يستقل بحياته وشكر له حسن ضيافته وكريم ما قدمه له ومساندته له فى القاهرة.
لم يلتحق الشيخ البهتيمى بأى معهد للقراءآت، ولكن كثرة سمعه إلى القراء الكبار مثل الشيخ محمد رفعت ومحمد سلامة والصيفى وعلى حزين أكسبته التذوق وبالممارسة والخبرة تعلم أحكام التلاوة، واكتملت لديه عناصر النجاح، فى عام 1938م قدمه الدكتور أمين زاهر إلى الإذاعى المعروف محمد فتحى الشهير بلقب كروان الإذاعة.
مع بداية عام 1952 كان الشيخ الصيفي قد علم بوجود قارئ جديد ببهتيم يتمتع بحلاوة الصوت فذهب إلى بهتيم واستمع إلى تلاوة الشيخ كامل دون علمه فأعجب به وطلب منه أن ينزل ضيفا عليه في القاهرة فاصطحبه ونزل ضيفا عليه في بيته بحي العباسية فمهد له الطريق ليلتقي بجمهور القاهرة وجعل بطانته له في الحفلات والسهرات وقدمه للناس على أنه اكتشافه وبعد فترة وجيزة بدأ جمهور القاهرة يتعرف عليه فأصبح يدعى بمفرده لأحياء الحفلات والسهرات فكان ذلك يسعد الشيخ محمد الصيفي فأخذ يشجعه من زاد من ثقته حتى ذاع صيته في أحياء وضواحي القاهرة، وأصبح قارئًا له مدرسة وأسلوبه في الأداء وأفاض الله عليه من الخير الكثير والمال الوفير فاشترى قطعة أرض في شارع نجيب بحي العباسية أقام عليه عمارة كبيرة واستأذن من الشيخ الصيفي أن يستقل بحياته شاكرا له حسن ضيافته وكريم صنيعه وما قدمه له من عون طوال فترة إقامته بالقاهرة حتى استطاع أن يثبت جدارته وأهليته لقراءة القرآن وسط كوكبة من مشاهير وعظام القراء بالقاهرة.
لم يلتحق الشيخ كامل يوسف بأي معهد لتعليم القراءات بل لم يدخل أي مدرسة لتعليم العلوم العادية ولكن بالممارسة والخبرة والاستماع الجيد إلى القراء مثل المشايخ محمد رفعت ومحمد سلامة والصيفي وعلى حزين تعلم أحكام التلاوة دون أن يشعر هو بذلك وقد اكتملت عناصر النجاح لديه بعد الاستماع إلى هؤلاء العمالقة في قراءة القرآن.
رغم نجاح القارىء البهتيمي جماهيريا إلا أن عدم التحاقه بمعهد القراءات ظل العقدة التي تطارده وتحول بينه وبين تقدمه لاختبار القراء بالإذاعة وفي عام 1953 م عرض عليه الشيخ محمد الصيفي أن يتقدم بطلب للإذاعة لعقد امتحان له امام لجنة اختبار القراء إلا أنه رفض خشية أن يتم إحراجه لعدم إلمامه بعلوم وأحكام القرآن وعلوم التجويد لأنه لم يدرس بأي معهد للقراءات ولكن المشايخ محمد الصيفي وعلي حزين أقنعاه بضرورة التقدم لهذا الامتحان وأن موهبته تفوق كثيرين تعلموا بمعاهد القراءات، فقهر ذلك الكلام خوفه وفك عقدته وتقدم للامتحان ونجح بامتياز فتعاقدت معه الإذاعة المصرية في أول نوفمبر عام 1953 م وتم تحديد مبلغ أربعة جنيهات شهريا مقابل التسجيلات التي يقوم بتسجيلها للإذاعة وتم تعيينه بعد ذلك قارئًا للسورة يوم الجمعة بمسجد عمر مكرم بميدان التحرير بالقاهرة والذي ظل به حتى وفاته.
فاستمع له ورشحه للقراءة فى الإذاعة لينطلق صوته عبر الأثير ليستمع الناس صوتاً فيه تكامل علم القراءة وحلاوة الصوت، ورخامته، وامتدت شهرته إلى أنحاء العالم العربى والإسلامى، وكان أول أجر له من الإذاعة «50» قرشاً وبعد قيام الحرب قفز أجر الشيخ إلى خمسة جنيهات ثم إلى عشرة ثم إلى خمسة عشر جنيهاً.
وفى عام 1943 سافر إلى فلسطين وعاش بها فترة ليذيع من محطة الشرق الأدنى بأجر كبير، وعندما جاء عام 1947 كان الشيخ يذيع من محطات لندن وسوريا والسودان ودلهى والشرق الأدنى.
كان البهتيمى محبوباً من الجميع وكان الرئيس جمال عبدالناصر يحبه حباً شديداً ويطلبه لرئاسة الجمهورية لإحياء معظم الحفلات الدينية هناك.
سجل الشيخ البهتيمى نصف خاتمة من المصحف المرتل للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 1046م ويحتفظ عشاقه بتسجيلات خاصة له من سور «الكهف ومريم والإسراء».
تمت دعوة الشيخ البهتيمى للقراء فى مأتم ببورسعيد، وبينما هو يقرأ فوجئ المستمعون بعدم قدرته على التلاوة فنقلوه إلى مقر إقامته بالفندق، وتم إسعافه ونقله إلى القاهرة بعدها بأسبوع أصيب بشلل نصفى فتم علاجه، واسترد عافيته، لكن صوته لم يصبح مثلما كان، وفى ذات ليلة فوجئ أهله وهو يدخل عليهم بعد أن أحيا إحدى السهرات القرآنية، وهو فى حالة إعياء شديدة، وقاموا باستدعاء طبيبه الخاص د. مصطفى الجنزورى الذى شخص حالته بأنه مصاب بنزيف فى المخ، وبعدها بساعات فاضت روحه إلى بارئها عن عمر يناهز 47 عاماً ومات الشيخ ولم يسجل القرآن مرتلاً للإذاعة، حيث وافته المنية قبل أن يتمه، ولكن سجل مجوداً، ومازال يذاع بعضه وكانت أمنية الشيخ أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة فى القدس الشريف وأن يحصل على جميع تسجيلات الشيخ محمد رفعت، والرجوع إلى قريته والاستقرار بها وفاء لأهلها، ولكن المنية عاجلته 6 فبراير 1969 عن عمر يناهز الـ 47 عاما، فحال ذلك دون تحقيق ما أراد، رحم الله كوكتيل المواهب الشيخ البهتيمى الذى جمع صفات عديدة لم تجتمع فى غيره من عمالقة التلاوة.
المصدر : النيل للأخبار