تشدو ليالي رمضان بتونس بالموسيقى والإنشاد الديني والطرق الصوفية المنتشرة منذ القدم بإعتبارها أحد الروافد البارزة للتراث الموسيقي التونسي، حيث تتميز العديد من السهرات الرمضانية بإقامة حلقات الانشاد الدينى والمدائح والأذكار الدينية والموسيقى الروحية التي تؤمنها أبرز فرق الموسيقى الصوفية والروحية في المساجد وزوايا ومقامات الأولياء الصالحين الموجودة في المدن والقرى التونسية.
ويعد مهرجان الموسيقى الروحية من أهم التظاهرات الصوفية خلال رمضان، ويهدف إلى مواكبة الأجواء الدينية الخاشعة التي ترافق هذا الشهر الكريم، وخلق تقاليد جديدة لدى الجمهور الذي يتابع عروضه عبر اكتشاف تجارب وأنماط موسيقية مختلفة من دول عدة إلى جانب تحريك المشهد الثقافي التونسي.
وقد تطور الإنشاد في تونس ليصبح في شكل عروض فنية متنقلة، تجوب مختلف مناطق البلاد، بفرق موسيقية وآلات عصرية، الى جانب عنصري الإضاءة والرقص .
وقال حسين الحاج يوسف الباحث في العادات والتقاليد والطرق الصوفية في تونس وصاحب كتاب “الطرق الصوفية بالبلاد التونسية” إنه من الناحية الموسيقية تطورت العروض وهذا التطور ليس مرتبطا بالطرق الصوفية، بل بالآلات الموسيقية، مبينا أن ذلك أمر محمود، إذا ما تماشى مع المقامات.
وتقام في مقامات الأولياء الصالحين والزوايا الصوفية التي تنتشر في حارات المدينة القديمة بتونس مواكب للإنشاد الديني والصوفي ومجالس الذكر، وتعد زاوية سيدي إبراهيم الرياحي وزاوية الشيخ محرز بن خلف في منطقة الحلفاوين ومقام سيدي بن عروس بالقرب من جامع الزيتونة، من أشهر الأماكن التي يتواجد فيها المريدون للإنشاد والذكر وتزدان موائدها بالحلويات الشعبية لعابري السبيل والفقراء.
والحضرة هى مصطلح إسلامي صوفي يطلق على مجالس الذكر الجماعية والتي يؤديها المسلمون المنتمون للطرق الصوفية السنية بشكل خاص، وسميت بذلك لأنها سبب لحضور القلب مع الله، ويتم فيها آداء أشكال مختلفة من الذكر، كالخطب وتلاوة القرآن والنصوص الأخرى من أدعية وأوراد، وإلقاء الشعر والإنشاد الديني،والمديح النبوي المتخصص بمدح رسول الإسلام والصلاة عليه،والدعاء والذكر الجماعي بشكل إيقاعي، وتلاوة أسماء الله الحسنى، ويستخدم المحافظين من الصوفية أحيانا الدف أثناء الحضرات، في حين أن بعض الطرق تستخدم آلات أخرى.
وتشهد العروض الفنية الصوفية في تونس خاصة خلال شهر رمضان إقبالا كبيرا، ويعود ذلك الى الطابع الإستعراضي والإيقاعي، علاوة على الأناشيد الصوفية والأغاني التراثية التي تتميز بها البلاد..ومن اشهر فرق الحضرة التونسية التى تلألأت خلال شهر رمضان” حضرة رجال تونس” بقيادة الشيخ توفيق دغمان حيث احتضن فضاء المركب الثقافي بسليانة ضمن فعاليات الدورة 22 لمهرجان المدينة بسليانة عرضا فنيا بعنوان « حضرة رجال تونس » وشارك في تقديم هذا العمل الفني حوالي 50 عنصرا بين منشدين وعازفين وراقصين، وتنوع العرض بين المدائح والأذكار من جهة وبين الابتهال إلى الخالق ومدح رسوله الأعظم والأولياء الصالحين من جهة أخرى.
وأنشدت الحضرة « يا محمد يا جد الحسنين » و “يا بلحسن يا شاذلي» و “يافارس بغداد» بالإضافة إلى « جارت الأشواق يا أحبابي » و »الليل زاهي » وأغاني من التراث الموسيقي التونسي مثل « يا سيدة يا نغارة ».
وتخللت هذه الأغاني رقصات من قبل الجماهير الغفيرة التي قدمت من أغلب المناطق التابعة لولاية سليانة للتمتع بالموسيقي الصوفية وقد علت الزغاريد والهتافات .
وواصلت “حضرة ولد العزوزية” للفنان محمد فريد تألقها خلال شهر رمضان بعدة اماكن منها المسرح البلدى بتونس العاصمة وامام المراكز التجارية الشهيرة ومنها مول تونزيا حيث احتشدت مختلف الفئات العمرية لحضور الاحتفال .
وقال خالد عجولة احد مرتادى المول انه من اشد المعجبين بحضرة ولد العزوزية لذلك جاء مع اسرته للتمتع بهذه الاجواء الروحانية فى الايام الاخيرة من شهر رمضان.
وتألقت كذلك الحضرة والنوبة الصفاقسية بقيادة الشيخ مرشد بوليلة.. أناشيد، وأذكار، ومدائح تتباهى بخصال الرسول الكريم تفاعل معها الجمهور بالتصفيق والرقص والغناء.
وهذه الفرقة التي تأسست سنة 1984 تضم في صفوفها شيوخا تجاوزوا الستين حفظوا هذا الموروث الصوفي عن أجدادهم وورّثوه للأبناء، كما تضم مجموعة من الشباب المولعين بهذا الفن حاملين لواء الاستمرارية والتجديد.
وقدمت المجموعة وصلة من الأغاني الفلكلورية الخاصة بمدينة صفاقس منها « عشيري الأول » و « يا نور عيني » و »راكبة الخيالي » وأغنيات أخرى من التراث أما الخاتمة فكانت من خلال نوبة سيدي منصور أشهر أولياء عاصمة الجنوب والذي وقفت له كامل عناصر الفرقة احتراما لمقامه ورقص الجمهور رقصة كانت متناغمة مع الإيقاع فكانت أقرب الى رقصات الدراويش.
وتعتبر الطريقة الشاذلية أوّل طريقة صوفية ظهرت في تونس، وهي المنسوبة إلى ابى الحسن الشاذلى الذي لعب دورا مهمّا في ترسيخ تيّار التصوّف في تونس.ومنذ القرن السابع للهجرة 13م أشتد ميل التونسيين إلى التصوّفّ، فبدأت الطرق الصوفية تنتشر، وأبرزها القادريّة وهي المنسوبة إلى عبد القادر الجيلاني ، والعيساويّة المنسوبة إلى محمد بن عيسى ، والسلاميّة وهي المنسوبة إلى عبد السلام الأسمر.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )