حين حلق طيار الاختبار الأمريكي “ماكس ستانلي” في يونيو 1946 ، أي بعد عام واحد من نهاية “الحرب العالمية الثانية” ، لأول مرة بالطائرة القاذفة من الطراز “إكس بي – 35” : كان يفتتح عصراً جديداً من الطيران الحربي ، هو عصر القاذفات الاستراتيجية القادرة على قطع مسافات هائلة ، والتي أصبحت عنصراً مهماً جداً في تشكيل الواقع الدولي ، ويعتبر خبراء الطيران “إكس بي – 35” هي “الجد الأعلى” لما عرف فيما بعد بالطائرات “بي – 2” التي أصبحت العمود الفقري للقوة الجوية الاستراتيجية الأمريكية ، والجيل القادم منها – الذي يجري تطويره الآن – يمكن اعتباره بحق “الرعب الطائر” ، ومن ناحية التكنولوجيا المستعملة فيها : فهي جماع حقيقي لتكنولوجيات متعددة ، تعبر عن ماسيشهده القرن الحالي من تطورات مذهلة في المجال العسكري .
لقد أطلق على الطراز “إكس بي – 35” الاسم الرمزي الذي اشتهرت به “سيريت أوف جورجيا” ، ولسنوات طويلة لم يشهد هذا الطراز تطويراً يذكر : وظل منذ سنة 1946 قوام القدرة الجوية الأمريكية بعيدة المدى حتى سنة 1981 ، ثم أخذ التطوير يتعاقب طوال الثمانينات والتسعينات الماضية .
كان التطور الأبرز خلال تلك الفترة : اشتراك “بي – 2” سنة 1999 في قصف يوجوسلافيا مستخدمة قنابل موجهة بالأقمار الصناعية ، ثم شاركت في حرب أفغانستان سنة 2001 ، ثم في العمليات الجوية في العراق سنة 2003 .
سنة 2006 : أعلنت القوات الأمريكية أن الطائرة ستشهد تطوراً كلياً بحلول سنة 2018 .
كان فبراير سنة 2008 شهر الحزن في القوات الجوية : إذ شهد سقوط إحدى طائرات “بي – 2” في جزيرة “جوام” ، وأعرب أحد كبار المسؤولين الفنيين فيها عن أثر ماحدث قائلاً “لقد أحدث ذلك فينا أثراً يعادل أثر اغتيال كيندي” ، وكان ماحدث موضع دراسات مستفيضة ، ولكنه أدى أيضاً إلى إلغاء مشروع “بي – 2” المطورة المقرر له 2018 .
عاد الرئيس “أوباما” فأعلن سنة 2011 عن اعتماد 6.3 بليون دولار لطائرة من السلسلة نفسها ، بحيث تدخل الخدمة سنة 2025 .
خلال الأعوام الفاصلة بين التاريخين : ستستفيد الطائرة من كل التطورات الراهنة والقادمة في تكنولوجيا الطيران ، وأيضاً في تكنولوجيا الدمار .
ليس من قبيل المبالغة اعتبار هذه الطائرة “الرعب الطائر” : فهي مثلاً – ووفقاً لما أكده “البنتاجون” السنة الماضية – ستحمل قنابل وزن الواحدة منها 30 ألف رطل ، وهي قادرة على اختراق مئات الأقدام من الخرسانة المسلحة .
ويبلغ مدى “بي – 2” القادمة أكثر من 6000 ميل ، تقطعها من دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود .
طبعاً ستكون الطائرة “شبحية” لايكتشفها الرادار ، بل ستكون مرحلة جديدة في تكنولوجيا التخفي الراداري .
ومع أنها “قاذفة” : إلا أن مطوريها لم يجدوا مانعاً في إضافة مهام جديدة لها ، ليست مطلوبة أصلاً من هذه الفئة من الطائرات العسكرية : فهي ستشارك أيضاً في أعمال الحرب الإلكترونية واعتراض اتصالات قوات العدو ، كما ستعمل كذلك في التجسس وجمع المعلومات .
في الوقت نفسه : فإن الجيل القادم من القاذفات الاستراتيجية سيعتمد على محركات نفاثة عالية التطور ، تقتصد في استهلاك الوقود إلى حد بعيد .
مالا حصر له من الدروس والتجارب المستفادة عبر عشرات السنين من القاذفات بعيدة المدى سيظهر أثر في الجيل القادم منها .
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل