شهد الجميع بارتفاع قامته ، وسمو مكانته ، وعظمة دوره وريادته ، وأيضاً بجمال هندسته وأناقة عمارته .
أشهر معالم القاهرة على مدار الأيام ، ومتحف متجدد للفنون الإسلامية لأكثر من ألف عام .
تقام فيه الشعائر والصلوات ، ويقصده طلاب العلم من جميع القارات ، ويرجع إليه المسلمون في القضايا الجوهرية ، ويلجأ إليه المصريون في أوقات المحن والأزمات .
سمي كذلك نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – الابنة الصغرى للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، وزوجة الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه ، رابع الخلفاء الراشدين .
شيده جوهر الصقلي ، قائد جيش الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ، الذي بدأ تأسيس مدينة القاهرة في 9 يوليو 969م ، سميت كذلك لظهور الكوكب القاهر في الفلك في هذا اليوم .
استغرق بناء الجامع الأزهر الشريف 3 سنوات ، وأقيمت أول صلاة به يوم الجمعة 17 رمضان 361هـ ( يوليو 972 ) .
كان في البداية يتكون من 3 إيوانات حول الصحن ، أكبرها إيوان القبلة المكون من 5 أروقة ، وهو أول عمل معماري أقامه الفاطميون ولا يزال قائماً حتى اليوم .
ولد جوهر في بلاد الروم ، وأسر في القيروان ( بتونس ) .
وعرف أيضاً بجوهر الكاتب ، ترقى حتى أصبح أشهر قادة الدولة الفاطمية ( 909 – 1171م ) ، وتوفي سنة 992 .
يقع الجامع الأزهر جنوب شرق القاهرة القديمة ، وكان المسجد الرسمي للدولة ، كما كان مركزاً تنفيذياً تنعقد به مجالس القضاء ، وتدار منه شئون الدولة ، ويتردد عليه كبار العلماء المسلمين .
أقدم ماتبقى عمارته الأولى مجموعة العقود المحيطة بالصحن ، وعقود المجاز ( الممر ) المؤدى إلى المحراب القديم.
ولم يتبق من عمارة الحاكم بأمر الله سوى باب بمصراعيه من خشب القرو التركي يحمل زخارف إسلامية ( هندسية ونباتية وخطية ) ويبلغ ارتفاعه 3 أمتار و 20 سنتيمتراً .
جرت أول إضافة معمارية للأزهر عندما أمر الخليفة الآمر بأحكام الله بإقامة محراب من خشب القرو والنبق ، به زخارف إسلامية تعد علامة في الدقة والجمال ( محفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة ) .
وأيضاً عمارة الحافظ لدين الله بزيادة مساحة الأروقة ( 544هـ – 1149م ) بإضافة رواق جديد بالصحن ، كما أقام قبة على رأس الممر عليها نقوش وكتابات كوفية ، ومقصورة فاطمة الزهراء بجوار الباب الغربي .
توقفت الخطبة بالجامع الأزهر في العصر الأيوبي ، وانتقلت إلى جامع الحاكم على المذهب الشافعي سنة 567هـ – 1171م .
وفي سنة 665 جدد الأمير عز الدين أيدمر بعض الأجزاء المتصدعة بالأزهر ، وأقام مقصورة جديدة .
كما أنشأ الأمير بيليك الخازندار مقصورة أخرى .
عادت الخطبة مرة أخرى إلى الأزهر في العصر المملوكي وتم تجديد عمارته عدة مرات .
انعقدت الريادة الدينية والعلمية للأزهر خلال القرن الثامن الهجري في العالم الإسلامي ، وكان موضع اهتمام واحترام ورعاية سلاطين وأمراء المماليك ، وأصبح لعلماء الأزهر مكانة رفيعة ، واستأثروا بمراكز القضاء والإفتاء وبعض المناصب الرفيعة في الدولة .
أقام الظاهر بيبرس منبراً جديداً للجامع الأزهر لاتزال لوحته التذكارية محفوظة بمتحف الجزائر .
تصدعت أجزاء عديدة من الجامع بعد زلزال شديد وقع سنة 702هـ – 1302م وتم تجديد عمارته ، وتم تجديد عمارته.
وفي سنة 719هـ – 1319م أنشئت المدرسة الطيبرسية ، وفي سنة 740هـ أنشئت المدرسة الأقبغاوية بجوار الأزهر ، وتمثل المدرستان قيمة فنية ومعمارية بالإضافة إلى القيمة العلمية .
وفي سنة 800هـ أنشأ السلطان برقوق مئذنة جديدة بدلاً من المئذنة القصيرة .
وجددت المئذنة مرة أخرى في عهد السلطان الأشرف برسباي سنة 827هـ – 1423م .
ومن أشهر المعالم المعمارية للأزهر مئذنة السلطان الغوري ذات الرأس المزدوج التي أنشئت سنة 915هـ – 1510م ، ولا تزال باقية إلى اليوم .
وخلال العصر العثماني جدد الشريف محمد باشا عمارة الأزهر سنة 1004هـ – 1595م .
لكن أشهرعمارة للمسجد الشهير تمت بمعرفة الأمير عبدالرحمن كتخدا ، أضاف إلى مساحته الأروقة الواقعة خلف المحراب “50 عموداً” من الرخام سنة 1197 – 1753م ، كما بنى محراباً من الرخام تعلوه قبة ، وأقام منبراً جديداً ، وأضاف باباً ، كما جدد واجهة المدرسة الطيبرسية ذات النوافذ النحاسية .
وفي سنة 1306هـ – 1888م جرت عمارة كبرى للأزهر تم خلالها تجديد لإيوان عبدالرحمن كتخدا ، وفي سنة 1315هـ – 1895م تم تجديد الواجهة الغربية بما فيها باب المزينين “الحلاقين” وأنشئ الرواق العباسي نسبة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني .
تم تجهيز الجامع الأزهر بمكتبة في خلافة العزيز بالله ابن الخليفة المعز ، وتحول تدريجيا إلى مدرسة يقصدها طلاب العلم من كل مكان .
بدأ أول نشاط علمي للأزهر أواخر عصر المعز ( 365هـ -975 ) عندما قرأ قاضي القضاة أبو الحسن على ابن النعمان مختصر والده في فقه الشيعة .
وكان الوزير يعقوب بن كلس في طليعة من جلس على مقعد التدريس بالأزهر ( 378هـ – 988م ) بعد صلاة الجمعة.
كما عين 37 عالماً وخصص لهم رواتب شهرية ومساكن فكانوا أول من قام بمهمة التدريس تحت إشراف الدولة ليصبح الأزهر أول جامعة في العالم وأعرق جامعة إسلامية .
أنشئت مكتبة الأزهر سنة 1897 في عهد الشيخ حسونة النواوي ( 1896 – 1900 ) .
وفي سنة 1995 انتقلت المكتبة إلى مقرها الجديد ، وتشتمل على 500 ألف مجلد منها 25 ألف مخطوط من عيون التراث الإسلامي .
يحمل طلاب الأزهر لقب المجاورين لأنهم يعيشون بجوار الأزهر ، ويحمل أساتذته لقب ( خدمة العلم ) ارتفعت الدعوة لإصلاح الأزهر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
صدر أول قانون للأزهر سنة 1972 لينظم طريقة الحصول على شهادة العالمية ومواد الامتحان فيها .
وفي عهد الأستاذ الإمام محمد عبده تم تشكيل لجنة لبحث التدريس بالأزهر ، وفي سنة 1896 صدرر قانون تساوى العلماء ودرجاتهم ولائحة مرتباتهم ، وأضيفت مواد جديدة مثل الرياضيات والفلسفة والتاريخ والجغرافيا .
وفي سنة 1911 صدر قانون تقسيم الدراسة إلى مراحل .
وفي سنة 1930 صدر قانون تحويل الأزهر إلى جامعة إسلامية ، وصدرت قوانين ولوائح تنظيمية له خلال أعوام 36 ، 37 ، 1938 ، كما صدر قانون تطوير الأزهر سنة 1961 بإضافة كليات علمية بالإضافة إلى الكليات الدينية .
تبلغ مساحة الجامع الأزهر حالياً 12 الف متر مربع ، وهي ضعف مساحته عند إنشائه ، وهو يمثل قيمة أثرية بالإضافة إلى قيمته الدينية والعلمية ، يحمل الملامح المعمارية لخمسة عصور في مآذنه وقبابه ونوافذه وأبوابه ومنابره ومحرابه وأعمدته وجدرانه للأزهر تسعة أبواب ، بابه المزينين “الحلاقين” أنشأه عبدالرحمن كتخدا وأمامه يجتمع الحلاقون لقص شعر المجاورين من طلاب الأزهر .
والباب الأصلي الذي يلي صحن الجامع جدده السلطان الأشرف قايتباي ، والباب العباسي بالواجهة الغربية أقامته وزراة الأوقاف مع الرواق العباسي وهو باب كبير مرتفع ، وباب المغاربة ناحية درب الأتراك ، وباب الشوام بالجهة الجنوبية في مواجهة وكالة قايتباي يصل إلى رواق القبلة القديم ، وباب الصعايدة بالجهة الجنوبية ، وباب الحرمين ، وباب الشوربة بالناحية الشمالية وسمي كذلك لقربه من المطبخ ، وباب الجوهرية بالناحية الشمالية يصل إلى إيوان القبلة الجديد ، وباب الميضأة “مكان الوضوء” .
وبالجامع الزهر 29 رواقاً تحمل جنسيات وأقاليم طلاب العلم ، رواق الصعايدة ورواق الشوام والترك …الخ .
ويوجد بالأزهر 13 محراباً بالإضافة إلى محاريب للمدارس الملحقة به وعرفت بنقوشها وزخارفها الهندسية والنباتية والخطية .
وفي المدرسة الأقبغاوية محراب يعد من أجمل المحاريب مزخرف بالفسيفساء المذهبة ، وفي المدرسة الطيبرسية محراب آخر مزخرف بفسيفساء الرخام والأعمدة الخزفية .
وبالإضافة إلى قبابه ارتفعت فوقه 6 ملآذن على اختلاف العصور بقيت منها ثلاث ، أشهرها مئذنة الغوري ذات الرأس المزدوج .
تعاقب على مشيخة الأزهر 44 شيخاً من علمائه ، حملوا لقب الإمام الأكبر ، أولهم الشيخ عبدالله الخراشي وآخرهم الدكتور أحمد الطيب .
ولا ننسى الدور الوطني للأزهر على مر العصور في مواجهة المحتلين والغاصبين ، وعلى سبيل المثال – لا الحصر – مواجهة الحملة الفرنسية والاستعمار البريطاني واغتصاب فلسطين ومواجهة العدوان الثلاثي سنة 1956م ، وسوف يمتد هذا الدور الكبير بإذن الله إلى أبد الآبدين .
المصدر : كتاب ( شهر رمضان في الجاهلية والإسلام ) للدكتور أحمد المنزلاوي