ما جدوى إنفاق البلايين لإنتاج البيانات إذا كنا لن نستطيع التعامل معاها ، ولن يكون بمقدورنا استيعابها أو الاستفادة منها ولن يكون بوسعنا استنباط نتيجة ؟
فى أكبر مركز فى العالم للبحوث الفيزيائية ، وهو “المركز الأوروبى المشترك للبحوث النووية” المعروف اختصار بالاسم “سيرن” والموجود بالقرب من جنيف ، تنتج بيانات لا يمكن للعقل تخيل مدى ضخامتها : فمثلًا تحدث فى تجارب هذا المركز الذى يبحث فى أسرار المادة والكون تفاعلات معدلها 100 مليون تفاعل فى الثانية الواحدة يعطى كل منها 4.3 بليون احتمال ، فكيف يمكن التعامل مع بيانات تمثل هذا الحجم ؟ وإذا كان من غير الممكن التعامل معها فلماذا ننتجها أصلًا ؟!
تسمى البيانات عند تلك الدرجة من الضخامة غير المتصورة “البيج داتا” وهذه “الصفة والموصوف” بالإنجليزية : لكنها نقلت إلى شتى لغات العالم كما هى .
تفيد المجلة العلمية الفرنسية “بور لاسيانس” بأنه قد بزغ علم جديد شديد التعقيد بالغ الأهمية : مهمته أن يستلخص الحقائق من “البيج داتا” وهو علم يعيد صياغة كل شئ .. كل شيئ .
دائمًا هناك نقص فى المعلومات .. ودائمًا أبدًا يسعى العلماء والخبراء إلى استيفاء النقض بإنتاج مزيد من المعلومات ، والتطور الجذرى الذى يشهده العلم الآن .. وماذا بعد أن تزايدت المعلومات بما يفوق التصور ، كيف نخرج منها بنتائج ؟
المتأمل فى مسار التقدم العلمى والتكنولوجى – بل وفى تقدم الاقتصاد والتحليل السياسي أيضًا – يدرك بوضوح أن جوهر هذا التقدم هو زيادة قدرة البشر على التعامل مع مزيد من البيانات المتدفقة ، ومن هنا جاءت “ثورة الكمبيوتر” التى شكلت انعطافا حقيقيًا فى تاريخ البشرية ، وبديهى أن يكون تطوير الكمبيوتر وبرمجياته حجر الزواية فى “البيج داتا” .
وتبعًا لما تقوله “بور لاسيانس” : فإن المشاكل فى هذا الشأن لا تقتصر على التعامل مع حجم البيانات فقط ، بل أيضا مع تغيرها المستمر بسرعات هائلة ، وفى عدم تجانسها ، وفى عدم التأكد منها ، وفى تناقضها ، فكيف يمكن الخروج بمضامين مفيدة مع كل هذه التعقيدات البالغة ؟ مثل ظهور الانترنت موردًا انقلابيًا ” للبيج داتا ” .
فالبيانات التى توفرها الشبكة العنكبوتية تبدو من دون حدود ، وقد اتضح بجلاء أن التعامل معها بطرق “البيج داتا” يؤثر فى حياة الناس .. كل الناس ، فهناك مثلًا ما تقوم به “وكالة الأمن القومى” الأمريكية “إن إس آيه” والنظام “برسيم” الذى طورته لتحليل البيانات الخاصة بمستويات مذهلة فعلًا ، وقد اتضحت بعض حقائق هذا الملف بالغ الخطورة فى سياق قضية “إدوراد سنودن” المشهورة ، إذ ظهر أن تحليل البيانات يمكن أن يدع أي إنسان مكشوفًا أمام أعين الأجهزة المخابرتية على نحو مفزع .
“البيج داتا” ليس مجرد علم : بل هو صناعة جديدة ، ضخمة .. وخطيرة ، يتحتم علينا التنبه لها .
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل