تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، اليوم، إلى السعودية، تأكيدا على العلاقات والمصالح القوية بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، في ظل النظام الجديد في السعودية، بعد وفاة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، أكبر الداعمين لمصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، إلا أن أهم ما يعكس أهمية الزيارة جملة التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة العربية، وعلى رأسها تنامى مخاطر تنظيم «داعش» الإرهابى في العراق وسوريا واليمن وليبيا، بجانب التهديدات الإيرانية لأمن منطقة الخليج وتوسع النفوذ الإيرانى في المنطقة، بدءا من العراق، مرورا بلبنان وسوريا، وأخيرا اليمن، عبر ذراعها مليشيات أنصارالله الحوثيين، وما تمثله من تهديد محتمل على الملاحة في البحر الأحمر وتهديد للمناطق الجنوبية في المملكة.
وبجانب تدعيم التعاون العسكرى والاستخباراتى بين البلدين، تجرى مناورات بشكل دورى في البحر الأحمر آخرها مناورة «مرجان 15»، في 9 فبراير الجارى، لحماية الممر الاستراتيجى من أي تهديدات محتملة، بعد سيطرة المتمردين الحوثيين على صنعاء وانقلابهم على السلطة في اليمن، وترى السعودية أن وجود سلطة مناوئة لها في جارتها الجنوبية أحد أكبر المخاطر المحتملة على أمنها القومى، بجانب مخاوفها من قوة تنظيم القاعدة في اليمن، كما تعتبر الرياض والقاهرة أن تمدد النفوذ الإيرانى في اليمن وما لها من قواعد عسكرية في القرن الأفريقى أكبر خطر على الموانئ السعودية على البحر الأحمر وقناة السويس، على الرغم من مساعى القاهرة لفتح حوار مع جميع القوى السياسية في اليمن، بما فيها الحوثيون.
ولعل ما يؤكد مخاوف البلدين من تلك المخاطر ما نقلته وكالة اخبارية أمريكية، الشهر الماضى، عن 3 مسؤولين أمنيين مصريين، قولهم إن مصر والسعودية تنسقان للقيام بعمل عسكرى مشترك إذا تعرضت الملاحة البحرية في مضيق باب المندب للخطر، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في مناورات مرجان 15، التي تضمنت التدريب على صد هجمات على السفن في المجرى الملاحى، وكذلك التعامل مع مجموعات متشددة تسيطر على الموانئ المهمة.
ويؤكد محللون قوة ومتانة العلاقات المصرية- السعودية، وأن الاختلافات بينهما بشأن سوريا لن تؤثر عليها، فبينما لاتزال السعودية تصر على رحيل الرئيس السورى بشار الأسد، فقد شاركت في التحالف الدولى ضد «داعش»، وتدعم تسليح وتدريب المعارضة المسلحة للإطاحة بالأسد، وهو نفس النهج الذي تتبناه أنقرة، بالتزامن مع زيارة الرئيس التركى للسعودية السبت.
وترى القاهرة أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسيا عبر الحوار، حسب مقررات مؤتمر جنيف، فيما تنظر مصر بقلق للمجموعات المسلحة في سوريا وارتباطاتها بجماعة الإخوان المسلمين والقاعدة، أما الرياض فتخشى من تعاظم دور إيران وحزب الله في دعم القوات التابعة لنظام الأسد، بما يكمل المخطط الإيرانى لبسط النفوذ والهيمنة على سوريا ولبنان، الأمر الذي يهدد المصالح السعودية.
ويكاد الموقفان المصرى والسعودى يتطابقان في الأزمة العراقية وما تمثله من مخاطر استراتيجية على الأمن القومى العربى، بعد الهيمنة الإيرانية وتمدد تنظيم «داعش» الإرهابى، ما يثير النفوذ الإيرانى المتنامى في العراق ودعمها الميليشيات الشيعية، مع ضعف قدرات الجيش والشرطة العراقيين، ومخاوف الرياض والقاهرة اللتين تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة العراق وبناء قوات أمنية وطنية تشمل كل الأطياف السياسية.
ويأتى أمن الخليج على رأس أولويات العلاقات المشتركة بين السعودية والقاهرة، فبينما يؤكد المسؤولون المصريون دائما أن أمن الخليج «خط أحمر»، وأنه جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، تسعى المملكة إلى تعظيم قدراتها العسكرية لمواجهة أي تهديدات محتملة، في ظل تعاظم القدرات العسكرية لإيران واحتلالها الجزر الإماراتية والنفوذ الذي تتمتع به طهران في مناطق شرق الجزيرة العربية، فضلا عن وجود الحوثيين جنوب المملكة وسيطرتهم على مساحات واسعة من اليمن.
وبينما تتبنى القاهرة رؤية شاملة لمحاربة الإرهاب، المتمثل في «داعش» العراق وسوريا وليبيا والقاعدة في اليمن وغيرها من التنظيمات المتطرفة، وسط هذا يأتى مقترح الرئيس عبدالفتاح السيسى لتشكيل قوة عربية مشتركة وما وصفه بعض الخبراء بـ«ناتو عربى» قد يمثل محورا لتدعيم العلاقات مع السعودية ودول الخليج في المرحلة المقبلة، وتمثل التحديات الداخلية والمخاطر التي يفرضها تنظيم الإخوان المسلمين على البلدين أولوية للعلاقات، بعد أن صنفت القاهرة والرياض التنظيم جماعة إرهابية، وما يثار من تكهنات بإمكانية عقد مصالحة مصرية مع جماعة الإخوان، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل بأن المملكة ليست لها مشكلة مع الإخوان، ولكن مع الأشخاص الذين في أعناقهم بيعة المرشد، في إشارة إلى قيادات التنظيم.
وبجانب التحديات الإقليمية، يأتى العديد من القضايا والتعاون الاقتصادى المشترك في أولويات سياسة البلدين، ومن بينها مشروعات للتبادل التجارى والاقتصادى والربط الكهربائى بين البلدين، والذى يستهدف تبادل الطاقة الكهربائية بين البلدين بنحو 3 آلاف ميجا وات، وتمثل القوة العاملة المصرية في المملكة محورا مهما في العلاقات، ويقدر عدد المصريين العاملين بالسعودية، وفق إحصائيات رسمية، بحوالى 1.8 مليون مصرى، ويرتفع العدد إلى 3 ملايين، وفق تقديرات غير رسمية، ولما لهذه القوة من أهمية في بناء الاقتصاد السعودى، فإن التنسيق بين الجانبين لبحث تعديل أوضاعها، حسب الإجراءات التي اتخذتها المملكة، ركيزة أساسية في العلاقات التاريخية بين البلدين.
وتأتى القمة المصرية السعودية، وسط موجة متلاحقة من الزيارات واللقاءات في المنطقة، فقبل وصول الرئيس السيسى للرياض، وصل الرئيس التركى رجب طيب أردوجان في زيارة تستمر حتى الاثنين، أما أمير قطر فاستبق الزيارات بلقاء مع قادة السعودية، ثم توجه إلى واشنطن، فيما التقى الرئيس السيسى العاهل الأردنى الملك عبدالله، لبحث الملفات الإقليمية.
تأتى هذه الزيارة، وسط رغبة مصرية- سعودية في حسم الملفات الإقليمية والثنائية، وسط تغيرات ضخمة ربما تسفر عنها الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
المصدر: وكالات