تتوالى حوادث غرق المهاجرين السريين المتجهين إلى أوربا عبر البحر المتوسط في مشهد درامي يدق ناقوس الخطر بشأن ظاهرة تتفاقم رغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها للتصدي لها حتى الآن.
مأساة أخرى تنضم لقائمة مآسي غرق المهاجرين السريين في عرض البحر المتوسط ، ففي اسبوع واحد غرقت سفينتين تقل مهاجرين غيرشرعيين فيصبح ضحايا “قوارب الموت ” أكثر من ألف مهاجر في أيام قليلة.
ظاهرة غرق سفن وقوارب محملة بمئات المهاجرين السريين شهدت ارتفاعا كبيرا ، بحسب الخبراء ، منذ اندلاع أحداث الربيع العربي وتدهور الأوضاع الأمنية في بعض الدول التي شهدت ثورات.
بينما تتلقى دول الاتحاد الأوربي اتهامات بتحملها مسئولية عدم إنقاذ من يغرقون قبالة سواحلها ، يلقى باللوم في أحيان كثيرة أيضا على الدول العربية التي أصبحت مصدرة بشكل كبير لهؤلاء المهاجرين ، وتتبادل كل الأطراف الاتهامات بالمسئولية في تزايد الهجرة السرية وسبل علاجها .
منظمة العفو الدولية ، المعنية بحقوق الإنسان ، أكدت أن حوادث غرق المهاجرين غير الشرعيين المتكررة في البحر الأبيض المتوسط تشكل “وصمة عار” على جبين الاتحاد الأوروبي بدوله ومؤسساته .
كما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة ، أن أكثر من 1750 مهاجرا لقوا مصرعهم عرض البحر منذ مطلع العام ، وهو عدد أكبر 30 مرة من حصيلة الفترة نفسها من عام 2014.
وقد نشرت في هذا السياق مادة فيلمية تطلب من قادة الاتحاد الاوروبي رصد الاموال لانقاذ المهاجرين بدلا من القيام بدوريات أمنية .. تحت عنوان “قلعة أوروبا” ، واظهرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تجلس في قارب ولا تكترث للغرقى” من المهاجرين
وتخشى بعض الدول الاوروبية – فيما يبدو – من أن تمثل عمليات البحث والانقاذ في البحر دافعا للمزيد من المهاجرين وتشجيعا لهم على محاولة عبور المتوسط في اتجاه اوروبا.
ويذكر في هذا السياق أن ايطاليا أوقفت العام الماضي عملية “مار نوستروم” للبحث والانقاذ بسبب تكلفتها الباهظة التي وصلت إلى 9 ملايين يورو شهريا وذلك رغم نجاحها في انقاذ ارواح اكثر من مائة الف مهاجر.
واستبدلت “مار نوستروم” بعملية اصغر تابعة للاتحاد الاوروبي تحت اسم “تريتون” لكنها تكتفي فقط بمراقبة نحو 30 ميل بحري قبالة السواحل الايطالية.
وقد دعا رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون إلى وقف ما أسماه “حمولات الموت”، فيما أوردت صحيفة “ذي تايمز” أن بريطانيا تدرس إرسال سفينة حربية للمساعدة في أعمال الإنقاذ .
من جهته ، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاتحاد الأوروبي بترك المهاجرين “يواجهون الموت”، بعد سلسلة الكوارث التي أودت بحياة المئات .
وحض الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أوروبا إلى “الذهاب أبعد بكثير” في معالجة أزمة المهاجرين مكرراً الدعوة إلى تكثيف المراقبة البحرية والجوية للمتوسط .
ووصف رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو رينتسي المهربين بأنهم تجار رقيق من القرن الثامن عشر ، وقال إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ موقفاً موحداً لمكافحة تهريب المهاجرين من المنبع في الدول الإفريقية .
وقال رينتسي في كلمة ألقاها أمام مجلس النواب بعد مقتل مئات في كارثة غرق جديدة بالبحر المتوسط ، إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون له دور أوضح وبدعم من الأمم المتحدة في دول إفريقيا جنوب الصحراء التي يأتي منها المهاجرون .
وأكد “أن الالتزامات الملموسة التي سنحاول تثبيتها هي التدخلات في بلدان المنشأ ، وتدمير قوارب الهجرة ، ومضاعفة مهمة “تريتون” ، ومد حالة الطوارئ لتكون مشتركة بين جميع البلدان ، والتعاون مع الأمم المتحدة لجهود مشتركة على الحدود الجنوبية لليبيا” .
وأعلنت المفوضية السامية لشئون اللاجئين أن 35 ألف لاجئ وصلوا على متن قوارب إلى جنوب أوربا منذ مطلع العام.
ويأمل الأوربيون في التعاون مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون والتي يمرون بها من أجل ضبط تدفقهم .. كما يمارس الاتحاد الأوربي ضغوطا كبيرة من أجل تشكيل حكومة ائتلاف في ليبيا لوضع حد للفوضى المنتشرة في البلاد , وذلك من أجل وقف تدفق المهاجرين الأفارقة واللاجئين السوريين انطلاقا من أراضيها.
ويبدو الاتحاد الأوربي مستعدا لإعادة النظر في إعادة توزيع طلبات اللجوء على الدول ال28 الأعضاء فيه وليس فقط في إيطاليا واليونان وإسبانيا ومالطا وقبرص التي هي بوابات الدخول الأساسية إلى الاتحاد الأوربي.
وبناء على ماتقدم وعلى اللوم الملقى على كاهل الاتحاد الاوروبي ، يتواصل البحث عن سبل لمكافحة “قوارب الموت”.
ومن بين الحلول المطروحة لحل تلك الإشكالية “القيام بجهود منهجية لكشف هويات وضبط والقضاء على السفن قبل ان تستخدم من قبل المهربين” ، وأيضا “البدء فورا بالتحضيرات من أجل عملية محتملة أمنية ودفاعية بما يتوافق مع القانون الدولي”.
إن ملف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وضع بلدان الاتحاد الأوروبي بين المطرقة والسندان ، فليس هناك إمكانية لفتح أبوابهم لطوفان من لاجئي أفريقيا والعالم الثالث ، ولا هم قادرون على وقف محاولات الهجرة التي غالبا ما تكلف المهاجرين حياتهم.