الزيارة التى يبدؤها الرئيس عبد الفتاح السيسى لموسكو، تعد أول زيارة رسمية له إلى روسيا، منذ انتخابه رئيسا فى يونيو ٢٠١٣، وهى تبدو محملة بوعود إيجابية بإمكانية استئناف حوار مُمتد بينه وبين الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، ربما قبل أن يتولى الرئيس السيسى الحكم، حول ما يريده كل منهما لشعبه من الآخر.
ورغم أنها الزيارة الرابعة للسيسى إلى روسيا فى أقل من عامين، فإنها تُعد أول زيارة رسمية له يُستقبل خلالها استقبالا رسميا غاب منذ أكثر من عشر سنوات لرئيس مصرى، عندما قام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بآخر زيارة رسمية له لروسيا فى ٢٠٠٤.
الأكيد أن زيارة السيسى تجسد التوجه المصرى نحو الانفتاح على العالم وبناء علاقات قوية ومتوازنة مع مختلف القوى الفاعلة والمؤثرة إقليميّا ودوليّا، تقوم على أساس الاحترام المتبادل وتحقيق الأهداف المشتركة، والتعاون فى جميع المجالات بما يخدم مصالح كل الأطراف على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والثقافية والعلمية.
القمة المرتقبة بين الرئيسين السيسى والروسى فلاديمير بوتين هى مؤشر آخر على قوة ومتانة العلاقات المتميزة بين الزعيمين والبلدين الكبيرين، والرغبة والإرادة المشتركة لتعزيزها وتطويرها والارتقاء بها إلى مستويات أكثر تقاربا والتنسيق فى ما بينهما فى المحافل الدولية بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصا قضايا الإرهاب ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها تطورات الأزمة فى كل من سوريا والعراق واليمن والصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
إلى جانب ذلك، فإن القضايا الدولية، خصوصا فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتصدر مباحثات واهتمامات الرئيسين، فمصر مهتمة بالتطورات المتلاحقة إقليميّا وعلى رأسها الوضع فى ليبيا، فى حين تعتبر روسيا أن مصر مفتاح تعزيز القوة الروسية فى المنطقة، التى غابت عنها عقودا، ونقطة ارتكاز مثلى لتحجيم تغول النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط.
تستهدف الزيارة دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية، خصوصا أن روسيا تعد أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر بما لديها من إمكانات هائلة، كما تستهدف جذب الاستثمارات الروسية إلى مصر والمساهمة فى المشروعات القومية العملاقة التى تقوم بتنفيذها مصر، مثل مشروع محور قناة السويس والمشروعات التنموية الأخرى فى الصناعة والطاقة، بالإضافة إلى التعاون فى المجال العسكرى.
الرئيس السيسى قام بثلاث زيارات إلى روسيا، الأولى كانت فى مارس ٢٠١٣، كوزير للدفاع، قبل أن يستقيل ليترشح للرئاسة، ورغم أنه التقى نظيره آنذاك وزير الدفاع الروسى، فإن الرئيس بوتين اجتمع به وأهداه معطف الجيش الروسى، كرمز إعزاز وتقدير للرجل والعسكرية المصرية، ثم قام بزيارة فى أغسطس ٢٠١٤ بعد توليه الرئاسة بشهرين، والتقاه بوتين فى منتجع سوتشى، واحتفى به فى أثناء قضاء إجازته، واصطحبه فى جولة لتفقد التجهيزات التى تنفذ فى المدينة لاستضافة الأوليمبياد الشتوية، ثم كانت زيارته الأخيرة فى مايو الماضى، للمشاركة فى الاحتفالات بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار على النازية.
على الطرف الآخر، كان الرئيس بوتين قد قام بزيارة رسمية إلى القاهرة فبراير الماضى، اتفق خلالها الطرفان على تعزيز التعاون العسكرى بينهما، كما قاما بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم بشأن مشروعات اقتصادية، منها إنشاء محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء، وقامت روسيا بتسليم مصر مؤخرا قطعا عسكرية مختلفة، مثل منظومة «أنتاى 2500» للدفاع الجوى، كما أهدتها مؤخرا زورقا يحمل صواريخ هجومية من فئة «مولنيا»، تنفيذا للاتفاقات المبرمة بينهما.
وإذا كانت الأحاديث تدور حول صفقة «ميج 29» محتملة بين الجانبين، فإن التاريخ يقول كلمته فى ملف العلاقات المصرية الروسية، إذ إن القاهرة وموسكو تربطهما علاقات تاريخية عميقة الجذور، بدأت منذ نحو 70 عاما، وبلغت العلاقات بين البلدين أوجها خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. ولا ينسى المصريون دور روسيا فى بناء السد العالى، وما زال رمز الصداقة بأسوان شاهدا على عمق العلاقات التاريخية بينهما فى تلك الفترة، بالإضافة إلى الإسهامات الأخرى فى تشييد عديد من قلاع الصناعة الوطنية مثل مصانع الحديد والصلب بحلوان والألمنيوم بنجع حمادى.
كما لا يمكن إنكار الدعم العسكرى الروسى لمصر خلال تلك الحقبة، خصوصا بعد نكسة 1967، وإسهامها فى إعادة بناء وتسليح الجيش وامداده بالأسلحة والعتاد.
ونحن لا نجاوز الحقيقة حين نقول إنه منذ ثورة 25 يناير قبل أكثر من أربعة أعوام، أخذت العلاقات المصرية الروسية منحى جديدا، إما لفتور شاب العلاقات مع واشنطن وإما لتفادى ضغوط غربية، خصوصا منذ الإطاحة بحكم الإخوان فى ثورة 30 يونيو التى ساندها الجيش.
ويبدو أن عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى المنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، صنع أرضية مشتركة مناسبة لتحالف مصرى روسى، نتج عنه إحياء التعاون العسكرى والاقتصادى بين البلدين.
فقد لحقت القاهرة بموسكو فى قرار اعتبار الإخوان المسلمين «جماعة إرهابية»، وإن كانت روسيا سبقت مصر بعشر سنوات فى هذه الخطوة، إذ تعتبر الجماعة إرهابية منذ 2003.
يمكن القول إن الأشهر الأخيرة من العلاقات المصرية الروسية اتسمت بالازدهار، ولعل الزيارة الأولى للسيسى عندما كان وزيرا للدفاع فى أعقاب عزل مرسى، حملت بوادر اتفاق على بيع أسلحة روسية لمصر التى تواجه عدة تحديات أمنية، أخطرها فى شبه جزيرة سيناء.
كما استقبلت القاهرة كذلك فى نوفمبر 2014 وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين، لمناقشة صفقة سلاح روسية محتملة لمصر، وأكدت وسائل إعلام روسية آنذاك أن الجانبين على وشك توقيع صفقة قيمتها 3 مليارات دولار، تتضمن صواريخ وطائرات مقاتلة ومروحيات هجومية.
أما السلاح الاستراتيجى الآخر الذى تحصل عليه مصر من روسيا فهو القمح، فالقاهرة، أكبر مستورد للقمح فى العالم، من أهم زبائن روسيا فى هذه السلعة الحيوية.
واشترت مصر 5.46 مليون طن من القمح من الخارج، فى السنة المالية 2013-2014، وكان أغلبه من روسيا.
وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية، فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 4 مليارات و600 مليون دولار، فى العام الماضى، بينما بلغ عدد السائحين الروس إلى مصر 3 ملايين سائح فى 2014.
ولعل أهم تعاون منتظر بين البلدين هو مساعدة روسيا لإكساب مصر عضوية منظمة «البريكس»، والتى تجمع كل من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهذا سيغير فى شكل النظام العالمى نظرا لقوة الدول المنظمة اقتصاديا وسياسيا، وكذلك بدء العمل فعليا لبنك مجموعة البريكس بمدينة شنجهاى الصينية، سيغير وجهة مصر من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى إلى «بنك البريكس».
ومن الناحية الاقتصادية، فإن قيمة التبادلات التجارية بين مصر وروسيا، وفقا للبنك المركزى المصرى، قد زادت خلال 6 أشهر فقط بنسبة 103%، وهذه النسبة مرشحة للزيادة، بالإضافة إلى مضاعفة كميات القمح المستوردة من روسيا، وهناك اتجاه إلى الاستغناء تماما عن استيراد القمح من أمريكا.
و لذلك تشير التوقعات إلى تزايد معدلات الاستثمارات الروسية فى مصر خلال المرحلة المقبلة، مع اتساع قنوات الاتصال والعلاقات التجارية بين الطرفين.
المصدر: وكالات